الطلب المادي والاستثماري يغذيان مكاسب المعادن الثمينة
قفزت أسعار المعادن الثمينة خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتعوض الجزء الأكبر من الخسائر التي تكبدتها خلال الربع الأول من عام 2023. وبحسب مؤشر البنك الدولي، ارتفعت أسعار المعادن الثمينة بنحو 10% خلال الربع الثاني من عام 2023 مدعومةً بضعف الدولار الأمريكي، والتوترات الجيوسياسية، والضغوط التضخمية، وحالة عدم اليقين التي حفزت الطلب الاستثماري على الذهب بشكل خاص.
الطلب المادي والاستثماري يغذيان مكاسب المعادن الثمينة
لعبت قوة الطلب المادي أيضًا دورًا كبيرًا في رفع أسعار المعادن الصناعية مثل الفضة والبلاتينيوم. نُلقِ في السطور القادمة نظرة على سعر الذهب مباشر مع التطرق إلى أداء وتوقعات الأسعار لاثنين من أبرز المعادن.
الذهب
ارتفعت أسعار الذهب بنحو 5% خلال يونيو الماضي مدعومةً بانخفاض مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته في ستة أشهر. وساهمت هذه المكاسب في تعويض جزء من الخسائر الحادة التي مُني بها الذهب خلال شهر مايو حيث هبط بنحو مائتي دولار بعد أن سجل قمة قياسية على حدود 2079$ للأوقية، ثم تهاوى إلى حدود 1893$. وجد المعدن الأصفر دعمًا من عدة عوامل رئيسية خلال النصف الأول من العام
- ارتفاع معدلات التضخم، وذلك رغم تراجعها النسبي خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن الابتعاد عن الذروة التي وصلتها خلال الربع الأخير من 2022
- قفزة كبيرة في مشتريات البنوك المركزية، والتي سجلت أعلى مستوياتها في 55 عام
- التوترات الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية
- بعض الاضطرابات الاقتصادية، مثل أزمة إفلاس البنوك
تشير التقديرات إلى أن سعر الذهب قد يستفيد نسبيًا خلال الفترة القادمة من الرهانات على إيقاف الاحتياطي الفيدرالي لدورة رفع أسعار الفائدة. برغم ذلك، فإن بقاء الفائدة مرتفعة لفترة طويلة، ناهيك عن التوقعات بأن تواصل البنوك المركزية في أوروبا وبعض الدول الناشئة سياسات التشديد النقدي، قد تُضعف من قوة هذا العامل. يفسر الطلب الشرائي المرتفع من البنوك المركزية، خاصةً في الصين والهند وتركيا، أيضًا السبب في تماسك أسعار الذهب في وجه الضغوط المتتالية التي أعقبت الهدوء النسبي في تدفقات الملاذ الآمن.
الفضة
ارتفعت الفضة بنحو 6% مدعومةً بزيادة مماثلة في الطلب المادي وهي من بين المعادن الثمينة، برغم ذلك، هناك مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خصوصًا في ظل تزايد الإشارات الانكماشية في الاقتصاد الأمريكي. فقدت الفضة أيضًا جزء من الزخم الذي اكتسبته خلال الربع الأول مع تخلي الصين عن سياسة صفر كوفيد، حيث لا تزال معدلات النمو مخيبة للآمال مقارنةً مع ما كانت عليه في الأسابيع الأولى لرفع قيود الإغلاق الاقتصادي.
أدت قرارات رفع الفائدة المتتالية إلى الضغط على سعر الفضة لتتراجع من 19$ إلى أقل من 16$. كانت هناك أيضًا أزمة سقف الدين الفيدرالي في الولايات المتحدة، والتي ظلت ضاغطة على أعصاب السوق لعدة أسابيع.
البلاتينيوم
شهدت أسعار البلاتينيوم تقلبات حادة خلال هذا العام. فبرغم قوة الطلب الصناعي، إلا أنه لا يزال أقل بشكل ملحوظ مما كان عليه في 2021. برغم ذلك، وجدت الأسعار دعمًا من عدم انتظام الإنتاج بسبب مشاكل سلاسل التوريد في جنوب أفريقيا، وهي أكبر منتج للبلاتينيوم في العالم.
وفي ظل هذه الظروف الانكماشية على مستوى الاقتصاد الكلي، فإن الرهان الأكثر واقعية بالنسبة للسيناريو الصعودي لسعر البلاتينيوم هو اللحاق بالذهب إذا نجحت التطورات الجيوسياسية وتلك المتعلقة بالطلب الاستثماري في خلق مناخ إيجابي.
تأثير السياسات النقدية
برغم هذه التوقعات المتشائمة، يشير بعض المحللين إلى أن قدرة المعادن الثمينة على الاستقرار بالقرب من مستوياتها التاريخية الحالية رغم بقاء معدل الفائدة في الولايات المتحدة أعلى 5%، وهي إشارة قوية على هشاشة ثقة الأسواق، وتفضيل المستثمرين الاحتفاظ بالذهب ونظرائه كجزء أساسي في المحفظة، حتى في الأوقات التي تشهد انتعاش شهية المخاطرة.
وبناءً على هذا الافتراض، وبالنظر إلى أن دورات رفع أسعار الفائدة تقترب من نهايتها على أية حال بعد أن أنجزت البنوك المركزية الجزء الأكبر من مهمة تقييد الوصول إلى السيولة ورفع تكاليف الاقتراض، يرى البعض أن هناك فرصة لكسر القمة التاريخية للذهب وتجاوز عتبة المستوى 2,100$ للأوقية إذا شهدنا إجراءات سريعة في ملف تيسير السياسة النقدية على وقع تدهور غير متوقع في مؤشرات الاقتصاد الكلي.
من زاوية الطلب المادي، فإن انخفاض معدل البطالة إلى مستويات تاريخية سيعطي الاقتصاد فسحة لالتقاط الأنفاس، بمعنى أن تباطؤ النمو الاقتصادي لن يؤثر سلبًا على دخول المواطنين في ظل انخفاض عدد العاطلين. علاوة على ذلك، يبدو الاقتصاد الأمريكي أقرب إلى المرور بظاهرة “التضخم العنيد”، والتي تعني أنه برغم ابتعاد مؤشر أسعار المستهلكين عن المستويات القياسية التي سجلها بداية العام، إلا أنه لن ينخفض سريعًا إلى المستوى المستهدف من قبل الاحتياطي الفيدرالي، والبالغ 2%.
يرى البعض أن هناك سيناريوهات فرعية ربما ترجح إبقاء الأمور على ما هي عليه لفترة طويلة دون التقيد بالافتراضات الرئيسية التي يطرحها أغلب المحللين. في هذا السياق، من الوارد أن تستقر معدلات التضخم بين 4-5%، والتي برغم أنها تعكس تحسنًا كبيرًا مقارنةً بأكثر من 8% في بداية العام، إلا أنها تظل بعيدة عن المستوى المستهدف للبنك المركزي، والبالغ 2%. إذا تحقق هذا السيناريو، فهذا سيعني إبقاء الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية – بين 5.25 و5.5% – لفترة طويلة ربما تمتد حتى بداية 2024.
إذا كانت توقعاتك تشير إلى تحسن كبير في الطلب المادي، سواء استمرار الاتجاه الحالي لتعزيز البنوك المركزية احتياطياتها من المعدن الأصفر، أو الطلب من الأفراد لأغراض حفظ القيمة، خصوصًا أثناء مواسم الزواج في الهند والصين، ربما يكون من الأفضل في هذه الحالة شراء أسهم شركات تعدين الذهب.
اقرأ المزيد: هل هناك ابداع في تداول العملات؟